ما يحدث من تلقاء نفسه في عتمة الأعين

في حضور الحاجة لنظارة جديدة، تمرني صورة نحل حديقتنا وهو يتنقّل بين نباتات “المشموم”، حيث ما إن تحط ساقاه الدقيقتان على زهرة، حتى كما الملسوع يقفز إلى زهرة أخرى. هنا لا النحل ولا أنا وجدنا الزهور والنظارات على سوء، ولكن لا شيء يبدو لنا جيدًا كفاية.

لم يختلف اختبار فحص النظر منذ أول مرة أجريته قبل بضع سنوات. المنطاد ذاته لولا بضع شجيرات نبتت في خلفيته. رقمي 51 و53 على اللونين الأحمر والأخضر، ثم الإجابة المستعصية، أيهما أريح للنظر ؟ وأخيًر الأثر الأحمر ذاته في الجبين، من إسناد الرأس لجهاز الفحص طويلًا.

أنتهي مسرعًا. ربع ساعة فقط تلخّص لي ما حدث خلال عام أو أكثر. ربع درجة أقل في العين اليمنى، نصف درجة في اليسرى، وغبش بسيط في كلتيهما من الجفاف. أبرر لنفسي قبل الدكتورة: لا أستعمل الهاتف كثيرًا، قراءة مائة صفحة يوميًا، البكاء خمس مرات أو أقل لأكثر من عام، ما يعني تقريبًا استعمال خفيف للعينين، فلِم يقل هكذا في كل مرة ؟

لا تنتهي النظارة الجديدة قبل تاريخ ٤/١/٢٠٢١

من الحاجة، تولد الحساسية إلى الأشياء. 

ليلًا من ذات اليوم، ومن إشارة القصور المتجهة إلى أبو الحصاني، أضع نظارتي القديمة في المقعد الخاوي بجانبي في السيارة. تمرني تنهيدة إذ أتلمس قلبي فلا أجد إلا الغربة. تضيق عينيّ لترى الصور أوضح* قليلًا. ليس شرطًا للوضوح أن ألبس النظارة، فحتى وإن لم تتضح الرؤية، دقيقة حزن واحدة، ثم يصبح كل ما يلوح أمام عيني هو التفاصيل. طير، ولو غاب لون ريشه عن عيني القاصرة. يمر مسرعًا فيخطف الضوء من المصابيح لثانية. المصابيح إذ تتوزع على مسافة واحدة في الشارع. الشارع الذي لوهلة تتوقف عيني أمام مصباحه الأول. مصباحه الأول الذي له نبض ضوء خافت، يلوح ثم يرحل. الرحيل الذي أولى إشاراته التغيّر المفاجئ. أقول لنفسي ثم أبتسم. كيف يريني الله كما أرى آدم، الغراب بمصابيح الشارع، الدفن بالرحيل، والعجز ذات العجز.

حتى الأحزان، تبدو أبسط وأشد ألمًا ووضوحًا، حين نراها من مسافة أبعد قليلًا. 

ألبس نظارتي إذ يلوح الضوء الأخضر من الإشارة. تأخرت جزئي ثانية ولم يضرب الناس أبواق سياراتهم، غريب. أقطع القصور كاملة في طريقي إلى ستاربكس. ميديم فلات وايت، ليس لدينا، بإمكانك طلب ميديم لاتيه وإضافة شوت قهوة، ذات التأثير. أوافق. أجلس في الزاوية وأتصفح أولى مذكرات ألبير كامو. كوب القهوة على مسند الكرسي، أتحمس لجملة فأمد يدي لأخذ قلم موجي الأخضر لأحددها. تنسكب القهوة. لا أحد يلتفت، ولا حتى عمّال ستاربكس. على كلٍ، أحدد الجملة بالأخضر. 

“الحياة قصيرة وإضاعة الوقت خطيئة. أضيّع وقتي، النهار بكامله، ويقول الآخرون أني نشيط جدًا ؟ اليوم هو استراحة، وقلبي ذاهب للقاء ذاته”

2 Replies to “ما يحدث من تلقاء نفسه في عتمة الأعين”

  1. بالأمس شرعتُ في قراءة ما تكتبهُ بُهِرت كيف لقلمك أن يكون مبهر هكذا! و قبل قليل أنهيت حصة العربي مع معلمتي اللئيمة التي لا تحب الشعر و جئت أقرأ ما كتبتهُ لأستمتع قليلًا و أراوح عن نفسي وفقك الله أستاذ تركي 🙏🏻

    إعجاب

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: