في كل مرة أقف فيها بسيارتي عند إشارة جسر القصور، وأنظر للجهة اليسرى من الإشارة، كنت أستشعر حبي لما يتكرر. السيارة حين تتوقف، يدي في حضني، عيني تسترخي على كتف الطريق المنحدرة من الجسر نحو الشارع الرئيسي. كان ذلك الطريق مكسوًا بالحشيش الطبيعي، وفي وسط ذلك الحشيش، بضع شجيرات ياسمين لا يرتفع طولها عن متر أو مترين. ويتوزع في المسافة بين أشجار الياسمين في وسط الحشائش، والرصيف في زاوية المنحدر، رشاشات مياه صغيرة، لن تستدل على وجودها من صغرها إلا برذاذ الماء المتطاير من وسط الحشائش.
وفي كل مرة، ألمح الشايب بياع الخام في أول الإشارة. كانت الدشداشة البيضاء، والغترة البيضاء، والشيب الأبيض، هي ما يجعل النظرة الأولى له، تتجاوز وجوده في الحيز الذي يشغله، نحو الخامات الملونة التي يحملها على كتفه. كان يسير في كل مرة في الجهة اليسرى من الإشارة، وفي كل مرة، كنت أقطع النظرة التي أرخيها على كتف الطريق، وأحدق بترقب لحظة مروره من سيارتي نحو السيارات من خلفي، دون سبب حقيقي لذلك الترقب.
ورغم أن كل ما يتكرر، لا يتكرر بذات الصورة التي حدث عليها. وصلت اليوم ذات الإشارة، السيارة في التوقف، اليد في الحضن، العين على الكتف، إلا أن اللحظة التي قطعت فيها نظرتي عن حشائش الطريق المنحدرة، لم تجد الشايب في أول الإشارة كما اعتدت أن أجده هناك. لم أبحث كثيرا، فحين نظرت لتشابك أغصان أشجار الياسمين، تجاوزت نظرتي ذلك التشابك، لتجد بياض دشداشة الشايب بياع الخام وهو يجلس خلفها.
كنت ألمح من زاويتي قطعتي الطابوق التي يجلس عليها، الخام الموضوع على الأكياس البلاستيك بجانبه، والقط الأسود الصغير يتحرك حول دشداشة الشايب. لم أحتاج أن أسأل نفسي طويلًا ما الذي يفعله بياع خام خلف أشجار الياسمين على جسر القصور. حيث في اللحظة التي سألت نفسي فيها هذا السؤال، كان يمد يده لعلبتي مياه، واحده له، وواحدة وضعها مقلوبة في صحن صغير للقط الأسود.
لم أمنع نفسي في تلك اللحظة التي ذاب فيها قلبي، من تذكر أن أمي، وكأي أم تعيش في الكويت، لا تسمي القط الأسود إلا عتوي. وكان الأمر مضحكًا كفاية، أو رقيقًا كفاية، ألا يجعلني أشعر بالعطف تجاه الشايب بياع الخام، سوى عتوي صغير.
غداً لن تكون لي يد 