بطء

يمر يوم الخميس وينتهي دون أن يحدث شيء بالتحديد. كل شيء يجري بذات الهدوء الذي اعتدت عليه. أفتح نافذة غرفتي قليلًا، ومن الزاوية التي بنيت بها غرفتي، كان مستحيلًا على رأسي أن يستقيم ليبحث عن القمر في كبد السماء. أنظر نحو الحديقة، وأجد بركة ماء صغيرة فوق قفص الدجاج، إلا أن تراكم الغبار وأوراق شجرة السدرة يجعل من البركة مجرد تذكار صغير لمدى عجزي عن ملاحظة القمر، رغم قربه.
‎أتذكر القصيدة الأخيرة لباشو من هذا المكان “مريض وقت ترحالي، وأحلامي تتجول طافية، في الحقول الذابلة” كان غريبًا أن أتذكر تلك القصيدة في اللحظة التي أنهيت بها أحد المسلسلات، كانت خاتمة كل حلقة تشبه قصيدة هايكو صغيرة. ببطء كانت تتراكم مشاهد من الحياة اليومية، بنفس الهدوء، بنفس الشعرية واقتناص اللحظة الذي يحدث في قصيدة هايكو.

في الحلقة الأولى: مع نسمة الريح، تتساقط بذور الهندباء، على طرف البيت المتهالك.

‎في الحلقة الثانية: حتى حضن الشمس، لا يعرف كيف يمحو أثر الخطوات، حين تتكرر.

في الحلقة الثالثة: نحو بعضها البعض، تتكئ ظهور الوسائد، في السرير البارد.

‎في الحلقة الرابعة: أعلى من أي مكان آخر، في البيوت الخاوية، تنمو حشائش الحديقة.

كنت أحب نظرية المؤامرة التي أحيكها مع كل خاتمة حلقة، كيف للمشاهد المتراكمة من هذه الحلقة، أن تفسر ما سيحدث في الحلقة القادمة. أتذكر اللحظة التي كنت أتحدث بها مع صديقي عن كيف أن كليشيه مثل “هالشي غير نظرتي للحياة” لم تكن جملة ساذجة مثلما كنت أظن. كانت تحدث الأمور بالضبط كما تحدث في قصيدة الهايكو. لم تتغير نظرتي لفكرة العائلة من اللحظة التي مدت بها أمي خبزة دافية لي في صبح يوم أحد، بل كانت كل اللحظات التي جلسنا بها على طاولة واحدة، كل اللحظات التي مدت بها أمي خبزة دافية، وكل اللحظات التي كان يقول بها أبوي “دايمًا نصيب تركي قبل نصيبي”. لم تتغير نظرتي تجاه اللغة العربية من اللحظة التي سمعت بها قصيدة لأبو العلاء المعري، بل كل اللحظات التي صحح بها شخص بجانبي “قصدك موجود، صح ؟ لأن متواجد معناها شي ثاني” وأحتار إن كنت فعلًا أقصد موجود أم متواجد. لم تتغير نظرتي للحب من اللحظة التي نظرت بها لجهة من الكويت وابتسمت، بل كل اللحظات التي شعرت بها أن الضحكة، أو وضوح القمر، أو ملاحظة سواد الليل، أو تباطء الزمن، أو حتى معرفة تفاصيل هوشة جديدة في هذا الكون الفسيح، قادرة على أن تفضح تلك النظرة للحب. ولم تتغير نظرتي تجاه أهمية الكتب من اللحظة التي قرأت بها لماركيز، بل كانت كل اللحظات التي شعرت بها..، انسى الأمر، ربما هذا استثناء للقاعدة، ماركيز قادر على مثل تلك المعجزة.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: