ليس بالأمر الهيّن، أن يدرك الإنسان، أن اللون الأحمر لداخلية الخيمة المنزلية، أنسب للحياة المدنية التي نعيشها، من الأصفر الكركمي.
منذُ أن وعيت على الدنيا – وأزعم أن وعي طفل منعزل نفسي قد يسبق وعي بقية الأطفال – وفي كل شتاء، كنا نحمل خيمتنا من سرداب البيت، بأشرعتها الرطبة، وعواميدها الصدئة، ونضعها في الجانب الأيسر من حديقتنا، ويقول لي أبوي “تركي ناد سايق أبو عبدالرحمن وأبو حمزة عشان نبني الخيمة”
وفي كل شتاء، وبعد كل مطر كثيف، كنا ننظر لسقف الخيمة بأسى، وهو يصاب بما يشبه الجدري الخاص بالخيام، وكل ذلك بسبب تسرب الرطوبة لقماش الخيمة الأصفر. وفي كل شتاء، كانت تقول أمي “السنة الجاية يا نشتري مثل خيمة أم سعد، أوما نبني خيمة بالمرّة”
ولم تكن خيمة أم سعد سوى خيمة حضر، كما يقول أبي، حمراء من الداخل، وبخام عازل من الخارج، وفوق هذا، بدون أوتاد.
وكنت أوافق أبي برفضه، ليس لأنني أهتم إن كانت خيمتنا خيمة بدو أو حضر، ولكن بعد كل مطر كان تتجمع المياه في ثنيات سقف خيمتنا، فتبدو تلك الثنيات، والماء في وسطها، كما لو أنها كرش صغيرة. وكنت استمتع بضربها، قبل أن أدفعها نحو الأعلى، فتنسكب المياه المتجمعة بعيدًا عن الكرش الصغيرة، فأشعر بالرضا للعبي، ودفع الضرر عن الخيمة، وسقي زرع الحديقة بذات الوقت. ولكن هذا أمر يخصني وحدي.
وكان هذا الحال، حتى شتاء ٢٠١٧.
أتذكر بوضوح، تأخرنا بنصب خيمتنا الرطبة في ذلك الشتاء، وكنت أقل اهتمامًا من أن أتذكر لماذا. لكنني أتذكر لحظة وصول أخي من الخفجي، في ذات اليوم الذي استغربت فيه عدم نصب خيمتنا الرطبة.
أتذكره وهو يُخرج من “دبّة” السيارة أربع حقائب زيتية، ويضع الحقائب على عشب الحديقة، بالتحديد في الجهة اليسرى منها، بالضبط مكان خيمتنا القديمة.
أتذكر الابتسامة التي انتشرت حينها على طرف عينيه، وكان يقابلها ابتسامة تنتشر أيضًا على طرف عيني أمي، وعرفت حينها أن لأم سعد يد بالموضوع.
وقفتُ مع أبوي نراقب ما يحدث، كتفي يكتفه، زعلتي بزعلته، لكنني وسط زعلي، كنت أشعر بحماسة أحاول أن أكتمها، كيف يمكن لخيمة أن تُبنى من أربع حقائب زيتية، ودون أوتاد ؟
في ذلك الشتاء، بُنيت خيمة أم سعد في الجانب الأيسر من حديقة بيتنا، وحُملت أيضًا في ذات الشتاء خيمتنا الرطبة على أكتاف عُمّال فاوضوا أبوي “ثلاثين دينار واجد عليها يا شيخ، عشرين زين” وكان ٢٥ دينار الحل الوسط.
وفي ذات الشتاء، لم يدخل أبي الخيمة أبدًا. كان يذهب آخر الليل إلى الحديقة، يُغلق الخيمة دون أن يدخلها، يجلس على حافّة الحوش المطل على الحانب الأيسر حديقة بيتنا.
ولا أزال أستدعي ذلك المشهد من ذاكرتي، وأحاول أن أقلّب الصورة، كما لو أن هناك رمزية لجلوسه في ذلك المكان بالتحديد.
حتى جلسنا في ليلة الأمس وسط الخيمة، أنا وأمي وأبوي وأخواني، وكان كتفي بكتفه، الضحكة بالضحكة، الشاي بالشاي، وسألته بذات الحماسة التي أحاول أن أكتمها.
” – يبا، ليش ما كنت تقعد معانا بالخيمة أول سنة بنيناها ؟”
ورد علي: “- ريحتها كانت خايسة، ريحة مصانع”

براعة وصفك وسردك تأسر.
إعجابإعجاب